مصطلح (العقيدة العسكرية) من المصطلحات الجديدة المستخدمة في الجيوش المعاصرة، وتتنوع التعريفات لهذا المصطلح، فيدُخل بعضهم مجموع القضايا العسكرية المتنوعة، وآخرون يرون أنها السياسة العسكرية المرسومة التي تعبر عن وجهات النظر الرَّسمية للدولة، ومنهم من يربطها بمنطلقات الدَّولة الدِّينية أو الفكرية التي يتبناها الحزب أو الجماعة السياسية الحاكمة والتي تسعى لتحقيقها، وبعضهم يعطيها وصفًا مجملا بأنها الفكرة الأساسية للجيش، ومنهم من يرى أنها الخطوط العريضة العامة التي تحُدد أداء القوات خلال عمليات المعارك، في حين أن حلف الناَّتو وبعض الدُّول المتقدمة مزجت جميع هذه المفاهيم مع بعض في تعريفها للعقيدة العسكرية. ويمكن استظهار أن التعَّريف ينقسم إلى شقين هما: (المبادئ، والأساليب)، لذا فيمكن أن نقتصر في البحث على الجزء الأول منه، والمتعلق بالمبادئ أو الأهداف العُليا التي انطلقت منها عمليات الفتح في عصر الراشدين؛ وهذا هو الأساس الذي تتفرع منه جميع المفاهيم والقيم والمنطلقات الأخرى. ومن المعلوم أن العقائد العسكرية في دول العالم تنبثق من المصالح التي تصوغها عقول البشر، لذا فهي تنطوي على الصَّواب والخطأ، ويختلط فيها الحق مع الباطل، وهي عُرْضَةٌ للتغيير المستمر، شأنها شأن القوانين الوضعية، أما العقيدة العسكرية الإسلامية فإنها تنبثق من القرآن والسنة، فمع الثقِّة في سُمو أهدافها فإنها كذلك تتصف بالثَّبات والاستقرار، وهدف الجهاد في الإسلام يفهمه الجندي الصغير قبل القائد الكبير، ويتلخص بإعلاء كلمة كما نصَّت على ذلك آيات الذكر الحكيم وأحاديث المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فلما انطلقت ، الفتوح في عصر الراشدين ركزوا على الهدف منها وهو هداية الناس للدين القويم، فتأثرت الشعوب ودخلت في دين الله أفواجًا بظرف زمني قصير، وإن إبراز هذه العقيدة التي انتشر فيها الإسلام في الزمن الأول، وبيان منهج الصحابة رضوان الله عليهم الذي استقوه من الحبيب أمر في غاية الأهمية في هذا العصر الذي شُوه فيه الإسلام ومُسخت صورته بسبب هجوم إعلام أعدائه وتصرفات رعناء من بعض من يُنسب إليه. ويُركز البحث على هدف الجهاد من خلال التطبيقات العملية للفاتحين، وسيتم عرض هذا بمشيئة الله وفق المنهج التاريخي العلمي المتعارف عليه، القائم على استقراء النصوص التاريخية وتحليلها ومقارنتها ونقدها، وصياغتها وتوظيفها وفق الأصول الأكاديمية.
العقيدة العسكرية في عصر الخلفاء الراشدين
المجلد الثالث
العدد الأول
مجلة العلوم الإنسانية
.