كان لمكانة مكة المكرمة الدينية، وارتباطها بشعائر الإسلام وفرائضه ارتباطاً وثيقاً، ولتعلّق أفئدة المسلمين وقلوبهم بها الأثر الأكبر في أن تكون حاضرةً من أهم حواضر العلم والمعرفة في بلاد الإسلام قاطبةً، يزدحمُ في رحابها، وفي جنبات المسجد الحرام أفواج من طلبة العلم، والعلماء من أهلها والمجاورين، والوافدين عليها من أقطار ديار الاسلام، انتشروا في حلق العلم بين متعلّمٍ وعالم، ومن ثمّ أضحت مهوى الأفئدة، ومقصداً لمن أراد أن يجمع بين أداء الفريضة وطلب العلم في حلقات الشيوخ، وحملة العلم. ولم يكن طلبة العلم بالمخلاف السليماني – منطقة جازان – بمنأى عن هذا الحراك، والنشاط العلمي والمعرفي، بل كان للارتباط الوثيق بين مكة والمخلاف جغرافياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وتيسر سبل السفر إليها أثره في أن تكون مكة المكرمة مقصداً لهم يحوزون بها الحسنيين من تأدية منسك، وطلب علمٍ، وكان لشعراء المخلاف المبرّزين اتصالٌ وثيقٌ بحكامها الأشراف فامتدحوهم، ونالوا جوائزهم، وعنايتهم، ومن المؤكد أنّ هذه الرّوابط قد أسهمت في الرّحلة الدائمة من المخلاف السليماني إلى مكة المكرمة عبر العصور الاسلامية، وإن كانت قد بدت تتضح معالمها خلال القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين، فتتابعت رحلات أبناء المخلاف السليماني إلى مكة المكرمة للحج والمجاورة وطلب العلم. وسيحاول هذا البحث تتبع هذه الرحلات العلمية من المخلاف السليماني إلى مكة المكرمة ، مع الإشارة – قدر ما تسمح به المادة العلمية المتاحة – إلى إسهام هؤلاء العلماء ، وطلبة العلم في النشاط العلمي سواءٌ في مكة المكرّمة ، أو في المخلاف السليماني بعد العودة إليه.
الرحلة العلمية من المخلاف السليماني إلى مكة المكرمة خلال القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين
المجلد الثاني
العدد الأول
مجلة الدراسات التاريخية و الحضارية
الرحلة العلمية
المخلاف السليماني
مكة
القرن العاشر الهجري
القرن الحادي عشر الهجري
46
373