فرض منطق الإصلاحات في البلاد التونسية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي على الفاعلين الاجتماعيين تمشّيا جديدا للحكم، وهذا المنطق يفترض فاعلين اجتماعيين جدد وإدارة ومؤسسات (الاختصاص/ البيروقراطية/ انتقاء الموظفين...) وقوانين مُستحدثة تعتمد أساسا على متغيّر المهارات والامكانيات الفرديّة ومنطق الإدارة الحديثة على حساب معايير سابقة مثل الشرف والولاية الصالحة والعائلة والمكانة الاقتصادية، ولهذا نلاحظ انقطاعا نشأ مع هذه الإصلاحات. وقد تبيّن لنا من خلال هذا البحث الدور المهمّ الذي لعبته صحيفة الرائد التونسي في بلورة روح زمنها ومحالة رجال الرّائد تشكيل تطوّرات وتغيّرات من أجل تجاوز "سقف" الأزمات التي عايشتها البلاد التونسيّة خلال القرن التاسع عشر، وبالتحديث سنوات قليلة قبل الاستعمار الفرنسي (1881م). فقد أبرز القياديّون الجدد أو ما اصطلح على تسميتهم بـ"رجال الإصلاح" وعيا بأهميّة "التطوّر الاجتماعي"، ولهذا أُتّخذ الرائد منصّة وحاملا مهمّا لبثّ أفكار مهمة وطريفة ومُستحدثة غايتها المساهمة في تغيير المجتمع التونسي نحو الأفضل.
نلاحظ إذا تمتّع البلاد التونسيّة قبل انتصاب الحماية الفرنسيّة بمجموعة مهمّة من مرتكزات الحداثة، وهي توسّع التمثّلات الجغرافيّة والتاريخيّة للفاعلين الاجتماعيّين، وتقدّم العلم والعلماء والتقنية إلى مكانة "القيمة" لا الوسيلة خاصّة في ميدان الصحّة والعلاج، كما سجّلنا بروز إرهاصات الرأسماليّة وترسّخ "زمن القوميّة"، إلى جانب مُعطى مهمّ جدّا وهو احتكار الدولة للتشريع وخاصّة استحواذها على مجال الدّين، وهذا الذي أدّى إلى بروز نخبة إصلاحية إداريّة بدأت تُعوّض شيئا فشيئا النخبة الدينيّة.