وقفت هذه الدراسة عند مجموعة من المحطات النقدية التي يمكن أن يستظهر من خلالها تجليات السرد وتقاناته في الشعر العربي القديم، وقد استطاعت الدراسة من خلال هذه المحطات أن تعكس نضج معالجة النقد العربي القديم للظاهرة السردية في الشعر، وعمق التفكير النقدي لدى أبرز رواده، فبرز أولا أبو هلال العسكري الذي بلور ظاهرة استدعاء السرد في الشعر، وإمكانية التوليف بين الشعر والخبر. ثم رصدت الدراسة ثانيا الظاهرة نفسها لدى ابن رشيق القيرواني من خلال اشتراطاته النقدية القائمة على الاستقلال التركيبي والدلالي للوحدة الشعرية (البيت الشعري)، بحيث يعدّ الإخلال بهذا الشرط عيبًا عروضيًّا، وعلى الرغم من هذا الحكم فقد استثنى من ذلك النمط الشعري المؤسس على الحكي والسرد، حيث اعتبر حضور السردي في الشعر مقوما أساسيا محسّنا. امتدت هذه الرؤية في الدراسة ثالثا إلى ابن طباطبا العلوي الذي بنى فكره حول استدعاء السرد في الشعر بما يتلاءم مع القيمة الجمالية للشعر، وقد بلور رؤيته من خلال التوفيق بين منطق النظم ومنطق السرد، وضرورة التوليف بينهما إلى حدّ التماهي، بحيث لا تتشظى عناصرهما عن بعضها الآخر. كانت المحطة الأخيرة مع حازم القرطاجني الذي عادت مرجعية فكره النقدي حول الظاهرة إلى طبيعة الشعر اليوناني والشعر العربي، وذلك بناء على تأثره بالنظرية الأرسطية للشعر، فدعا إلى توظيف السرد في الشعر؛ لأن الشعر -كما يرى- عمل فني قائم على التخييل والمحاكاة بين جانبي الرسالة (الشاعر والمتلقي)، وتحقيقا لمزيتي التأثير والإقناع التي تعد من أبرز وظائف الرسالة، فقد دعا إلى الإفادة من التاريخ ووقائعه، وأطلق عليها مصطلح "الإحالة"، وهي تقنية مستحسنة دعا إليها ورغب فيها.
السرد الشعري في النقد العربي القديم "قراءة تقييمية في أحكام نقدية"
المجلد الثامن
العدد الثاني
مجلة العلوم الإنسانية
السرد
الوظيفة السردية
الشعر العربي القديم
النقد العربي القديم
3
72