انطلقت هذه الدراسة من فرضية مفادها أن الإيقاع الصوتي- وما ينتج من موسيقى شعرية- يهيمن على بنية القصيدة العربية بالإيجاب، أو بالسلب ،كما أن نشاطه المفرط على المستوى الثاني (السلبي) يسهم في تأسيس إشكاليات من ضمنها استهلاك جُلَّ طاقة الشاعر، والإسهام في صرفه عن إنضاج بعض مستويات القصيدة الأخرى، التي من بينها: المتخيل، والرؤيا، لمجرد التمثيل. أخضعت الدراسة -للبرهنة على مصداقية فرضيتها- ثلاث ممارسات شعرية عربية: الأولى: معلقة امرئ القيس؛ لتمثيل المرحلة المبكرة من تاريخ الشعر العربي. الثانية: نماذج من تجربة أبي العلاء المعري؛ لتمثيل المرحلة المتوسطة. الثالثة: نماذج من شعر محمود درويش؛ لتمثيل المرحلة الحديثة. وقد أفصحت جميع المتون المختارة - متباعدة الأزمنة- عن غزارة بنيتها الصوتية، وبالمقابل تراجع بنيتها التخيلية، والرؤيوية، مؤكدة استفحال هذي الإشكالية، وتسلطها على صيرورة الشعر العربي. وأخيراً، اختتم البحث مساره بالتماس بعض الإجراءات التي من شأنها الحد من إشكالات تعاطي الشاعر مع عنصر الإيقاع من ناحية، وتطوير تعامله مع بعض العناصر الأخرى -التي يعوزها خطابه الشعري- من ناحية ثانية. نذكر من هذه الإجراءات الملتمسة باختزال شديد: ( ١) عدم تعسف الشاعر في الاشتغال على عنصر الإيقاع؛ لإنتاج طاقة صوتية كبرى -كما فعل أبو العلاء المعري في بعض ممارساته -لأن ذلك كفيل باستهلاك جُلَّ طاقته الشعرية، وصرفه عن إنضاج مستويات القصيدة الأخرى. ( ٢) احتراز الشاعر من المبالغة في إقصاء عنصر الإيقاع، ردا على هيمنته، كما فعل أدونيس؛ لأن في ذلك تعطيل الخطاب الشعري العربي من أبرز خصوصياته، المحدِّدة لهويته الجمالية. ( ٣) ضرورة رفع الشاعر العربي لمستوى وعيه الفكري الفلسفي، بالإضافة إلى تكوينه الشعري؛ لكي تتفاعل شاعريته - بما يكفي- مع العناصر الأخرى في قصيدته، وعلى وجه التعيين الرؤيا الشعرية.
الإيقاع الصوتي هيمنته على بنية القصيدة العربية وإشكالاتها
المجلد الثالث
العدد الثاني
مجلة العلوم الإنسانية
.
0
67