الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإنَّ الإقرار هو آكد طرق الإثبات, وأقطعها حجة, ولقد اهتم به الشارع الحكيم, وكفل للإنسان إرادته واختياره في أقاريره.
واستجلاب الإقرار من المحقق أو القاضي في بعض حالاته مما يُشكل على عامة الناس؛ لكونه دائراً بين الاختيار والإكراه, وكثيراً ما يدعي من استُجلب منه الإقرار, أنَّه تـمَّ استجلاب الإقرار منه بالإكراه, أو الـخديعة, والتسليم بذلك لا يكون بمجرَّد ادعائه؛ مما يستوجب دراسة فقهية مقارنة بالأنظمة القضائية, تقوم على الاستقراء والتحليل والـمقارنة, لمعرفة أحكام استجلاب الإقرار بالإكراه أو الخديعة في الفقه, وأثرهما, ومعرفة الشروط التي لا يتحقق وقوع الإكراه في الإقرار إلَّا بـها, ومعرفة أحكام استجلاب الإقرار بالـخديعة في الأنظمة القضائية.
وقد خلص الباحث إلى إجماع أهل العلم على مشروعية الإقرار إذا تحققت شروطه وانتفت موانعه, وتوافرت على ذلك نصوص الكتاب والسنة مع دلالة العقل, وأنَّ من شروطه المجمع عليها الاختيار, وأنَّ الإكراه والخديعة فيه محرمتان, وأنَّه إذا تحقق وقوعهما فيه فإنَّ الإقرار يعتبر لغوا وباطلاً لا أثر له, ولا تترتب عليه آثاره, فكأنَّه لم يقع, وثبوت وقوع الإكراه أو الخديعة في الإقرار لا يكون بمجرد ادعائهما, بل على القاضي أنْ يتحقق من ثبوتهما بالبينة أو القرينة الدالة على ظهور أمارتهما.
وأما إذا امتنع المتهم أو المدعى عليه من الجواب في موضعٍ يتعين عليه الإجابة فيه بإقرارٍ أو إنكارٍ أو تحديدٍ وبيانٍ للمدعى به الذي لا يُمكن معرفته إلَّا عن طريقه, وليس له عذرٌ معتبرٌ شرعاً في هذا الامتناع, ويتوقف القضاء على جوابه, فإنَّه في هذه الحالة يجوز إجباره بحبسٍ ونحوه حتى يجيب بالحق دون إكراهٍ على قولٍ محددٍ أو الإملاء عليه أو التأثير عليه بشكلٍ من الأشكال؛ بما يضطره إلى الميل إلى قولٍ محددٍ.
وقد راعا نظاما المرافعات الشرعية والإجراءات الجزائية ولوائحهما التنفيذية إرادة المتهم أو المدعى عليه مراعاةً تامةً, وحفظا اختياره, ومنعا إكراهه أو خديعته, أو التأثير عليه في إرادته بوجهٍ من الوجوه, وهذه المراعاة موافقة لما دلت عليه الشريعة الإسلامية وأجمع عليه أهل العلم من اشتراط الاختيار في الإقرار.
وبالله التوفيق, وصلى الله وسلم على نبينا محمد, وعلى التابعين له بإحسانٍ إلى يوم الدين.