يأتي هذا البحث في سياق الاهتمام بموضوع الحِوار بين الأديان في هذا العصر الحديث الذي يُمَثِّل فيه الحوار أهميَّة كبيرة، على مستوى الأفراد والدول. وقد جاء المَجْمَعُ الفَاتِيكَانيُّ الثَّاني ليُشَكِّلَ في منتصف القرن العشرين حدثًا لافتًا ومُهِمَّاً في تاريخ الفاتيكان الحديث بل وتاريخ الكنيسة الكاثوليكيَّة ككل، حيث تَبَنَّت الكنيسة في ذلك الجمع -وما جاء بعده من مجامع وتصريحات- الدعوة إلى الانفتاح على أتباع الديانات والمذاهب الأخرى والحوار معهم، وقد لقي ذلك المجمع من فئات عديدة القَبول والترحيب.
لكن هذه الحوارات التي تبناها الفاتيكان منذ المجمع قد أعاقتها وشَكَّكَت في غاياتها عند كثيرٍ من النَّاس؛ قرارات وبيانات المَجْمَعُ نفسه، وكذلك التصريحات والسلوكيات التي صدرت عن الفاتيكان وكبار رجال الدين الكاثوليك. ولهذا، فإنَّ هذا البحث يهدف إلى دراسة المَجْمَعُ الفَاتِيكَانيُّ الثَّاني، من خلال كيفية بِدَايَة الفكرة، ومن ثَمَّ تطورها، والدوافع والأسباب التي حملت الكنيسة الكاثوليكية على ذلك، وفق منهجٍ استقرائيٍّ تحليليٍّ نقديٍّ.
وبعد فحص دساتير المجمع وقراراته وبياناته، توصل البحث -ضمن النتائج التي توصل إليه- إلى أنَّ أهم دوافع انعقاد المَجْمَعُ الفَاتِيكَانيُّ الثَّاني ليس من أجل الحوار ذاته، وإنَّما بسبب شؤون داخلية تتعلق بفقدان الكنيسة الكاثوليكيَّة مكانتها في العالم وتنتاقص أعداد أتباعها، وتَبَيَّنَ للبحث أنَّ كثيرًا من الانتقادات المُوجَّهه إلى المجمع تتحلى بالمصداقية والواقعيَّة، يؤيدها تصريحات وتطبيقات الفاتيكان ورجال الكنيسة الكاثوليكيَّة المشاركين في حوارات الأديان.